استهداف الوعي والذاكرة الفلسطينية
د. عصام شاور
خلال زيارة له إلى مدينة الخليل، قال مسئول رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية: "لن يبقى أي جزء في فلسطين مهمشاً أو منسياً بعد اليوم"، وبالأمس كتب المحامي زياد أبو زياد مقالاً جاء فيه: "لقد مضى على هذا الاحتلال _الاحتلال الإسرائيلي_ قرابة ثلاثة وأربعين عاما"، وكذلك لا تخلو تصريحات مسؤولين وكتاب وغيرهم من إشارات يتم التأكيد فيها على أن فلسطين هي فقط الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس.
"لن يبقى أي جزء في فلسطين مهمشا"، فهل انجازات السلطة ستطال غربي القدس وحيفا ويافا وعكا، وغيرها من المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948؟ وهل صحيح أن الاحتلال مضى عليه 43 عاما و بدأ فقط منذ عام 1967؟
لماذا هذا التشويه والتحريف سواء بقصد أو بدون؟ وهل يظن السيد المحامي بأن الشعب الفلسطيني سيسقط حقه ويمحو تاريخه ومخزون عذاباته وبطولاته التي امتدت لأكثر من 61 عاما في ظل الاحتلال الصهيوني لمجرد مقال كتبه؟ تلك السذاجة بعينها.
أقول إن فلسطين بأجزائها الكلية تقع ما بين البحر والنهر، وإن 78% من أجزائها وقعت تحت الاحتلال الصهيوني قبل 61 عاما، وإن بقية أجزائها تم احتلالها قبل قرابة 43 عاما، فإن تحدثنا عن صلاحية السلطة وخططها وبرامجها، فنحن لا نتحدث عن فلسطين، وإنما نتحدث عن أراضي السلطة الفلسطينية التي لا تتعدى 22 % من مساحة فلسطين، وهذا الجزء القليل ما زال خاضعا للتفاوض.
هناك الكتل الاستيطانية الكبرى وغيرها التي لم توافق (إسرائيل) بعد على التخلي عنها، وللحقيقة فإن حدود وطبيعة أراضي السلطة الفلسطينية النهائية لا يعلمها إلا الله، ولا أحد يعلم أين ستنتهي حدود سلطة مرتهنة لمفاوضات لا نهاية قريبة لها.
وكذلك يقول السيد زياد: "الإسرائيلي بعد الاحتلال عام 67 لم ينشأ ويترعرع في حضن الحديث عن الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران، كما يتغذى كل فلسطيني في عمره"، فهل صحيح أن كل مولود فلسطيني بعد عام 67 تغذى على فكرة الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران؟
أعتقد أن "حليب أوسلو" لم يبدأ توزيعه إلا قبل 18 عاما فقط، وأنه بعد 15 عاما من توزيعه اختار غالبية الشعب الفلسطيني خيار المقاومة وخيار فلسطيني التاريخية، أما من رضع "حليب أوسلو" وتأثر وهو في "ريعان" عجزه وهرمه، فهذا شأن خاص جداً ولا يعمم، ولا أعتقد أن خمسة ملايين لاجئ فلسطيني يوافقون السيد زياد على تنظيراته، كما لا يوافق أنصار حماس والجهاد الإسلامي وكثير من أبناء منظمة التحرير، ومن بينهم أبناء فتح على هذا الكلام المُضَلِل.
*وزير شؤون القدس سابقاً، أسس والكاتب الصهيوني فيكتور سيلغمان، مجلة فلسطين_إسرائيل التي تديرها مجموعة من الفلسطينيين والصهاينة.
